فصل: مسألة السلام من الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة السلام من الصلاة:

في السلام من الصلاة قال مالك: حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي أنه كان يسلم في الصلاة على يمينه وعلى شماله، لا يدري ابن أبي حازم إماما كان أو غيره.
قال محمد بن رشد: السلام الواجب الذي يخرج به المصلي من صلاته ويتحلل به منها تسليمة واحدة قبالة وجهه يتيامن بها قليلا الإمام والمأموم والفذ في ذلك سواء، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم» وعلى المأمون أن يرد على الإمام يشير إلى جهته به وأن يرد أيضا على من على يساره إن كان على يساره أحد فسلم عليه، هذا هو قول مالك في الذي رجع إليه، وقد قيل وهو مذهب سهل بن سعد الساعدي على ما جاء عنه في هذه الرواية، وقد كان مالك يقول به ثم رجع عنه إن الإمام والفذ يسلم كل واحد منهما تسليمتين، الواحدة منهما واجبة عليه ينوي بها الخروج من الصلاة والتحلل منها قبالة وجهه ويتيامن بها قليلا، والثانية عن يساره سنة واجبة.
وروى أن «رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، فسلم يوما من صلاته ثم التفت فرأى الناس مالوا عن يمينه، فقال: ما بال الناس؟ قيل يا رسول الله: مالوا عن يمينك رجاء بركة سلامك، فسكت، فلما صلى الصلاة التي تليها سلم عن يمينه وعن يساره تسليمتين، فاعتدلت الصفوف بعد ذلك».
فإن نسي التسليمة الأولى وسلم الثانية وانصرف لم تجزه صلاته وإن نسي الثانية وسلم الأولى لم يكن عليه شيء.
ويسلم المأموم على هذا القول تسليمات ثلاث واحدة قبالة وجهه واجبة عليه يتحلل بها عن الصلاة، وثانية عن يساره سنة وإن لم يكن على يساره أحد ثم يرد على الإمام ثالثة يقول كل واحد منهم في ذلك كله: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم، وبالله التوفيق.

.مسألة طلاق المولى:

في طلاق المولى وحدثني ابن أبي حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون لا يدخل على مول طلاق حتى يوقف.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور من قول مالك الذي عليه جميع أصحابه أنه لا يقع عليه طلاق وإن مرت به سنة حتى يوقف، فإما فاء وإما طلق، وهو قول جمهور الصحابة، قال سهيل بن أبي صالح عن أبيه: سألت اثني عشر من أصحاب النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإما فاء وإما طلق ولم يؤمر بالفيئة بعدها، وهو قول ابن شبرمة، وروي مثله عن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين.
وقال أهل العرف يقع على المولي طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر، وهذا الاختلاف مبني على اختلافهم في تأويل قول الله عز وجل: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] هل المراد في ذلك بالأربعة الأشهر، أو فيما بعدها، ورواية أشهب عن مالك في كتاب الإيلاء قول رابع في المسألة، واختلف على المشهور في المسألة من أنه لا يقع عليه طلاق حتى يوقف إن وقف فأبى أن يفيء، فقيل تطلق عليه طلقة رجعية، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، وقيل يحبس حتى يفيء أو يطلق.

.مسألة ارتداد العرب بعد موت النبي عليه السلام:

ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا:
قال مالك: بلغني أن أبا هريرة تلا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] ثم قال والذي نفسي بيده إن الناس اليوم ليخرجون من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا.
قال محمد بن رشد: إنما قال ذلك لما رأى من ارتداد العرب بعد موت النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ومن خروج الخوارج المارقين عن الدين الذين أعلم النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بخروجهم عن المسلمين، وبالله التوفيق.

.مسألة أعطى في صدقة الماشية أفضل من السن الواجبة عليه:

فيمن أعطى في صدقة الماشية أفضل من السن الواجبة عليه قال مالك: وحدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن «النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بعث رجلا مصدقا فأتى الرجل فإذا عليه بنت مخاض، فقال: والله ما كنت أول من أعطى ما لا يحلب ولا يركب، فأعطاه كبيرة فأبى أن يأخذها وقال: لم أؤمر بذلك، فأقبل الرجل مع الذي بعثه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر للنبي الذي عرضه عليه، فأمره النبي فأخذها منه، قال: ودعا فيها بالبركة في إبله قال فنمت وكثرت، قال: فإنه تعرف فيها دعوة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى اليوم».
قال محمد بن رشد: في هذا الحديث: إن الأسنان المحدودة في الأخذ من الماشية في الزكاة ليست بحد لا يزاد عليه ولا ينقص منه كعدد ركعات الصلاة وإنما هي حد في أن لا يؤخذ من أحد أعلى منها إلا عن طيب نفس، وهذا ما لا اختلاف. فيه، وقد مضى هذا السماع من كتاب زكاة المواشي، وبالله التوفيق.

.مسألة تحريض زيد بن ثابت للأنصار على نصر عثمان رضي الله عنه يوم الدار:

في تحريض زيد بن ثابت للأنصار على نصر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يوم الدار قال مالك: بلغني أن زيد بن ثابت قال للأنصار: يا معشر الأنصار، انصروا الله مرتين في فتنة عثمان، أمرهم أن يقاتلوا معه، فقال له رجل من الأنصار من كبرائهم: إنا نخشى أن نقول كما قال من كان قبلنا: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 68].
قال محمد بن رشد: كان الأنصار قد انتدبوا إلى نصر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، روي أن زيد بن ثابت قال لعثمان: هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين، فقال: لا حاجة لي في ذلك، كفوا، فكفوا عن القتال دونه لما لزمهم من طاعته وتوقعوا في ذلك الحرج، ولذلك قال قائلهم في هذه الحكاية ما قال والله أعلم، وكذلك سائر الصحابة إنما توقفوا عن نصرته والقتال دونه من أجل عزمه عليهم في ذلك روي عن محمد بن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاك في السلاح، حتى دخلوا الدار فقال عثمان أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فخرج ابن عمر والحسن والحسين، فقال ابن الزبير ومروان: ونحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح، وروي عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: إنا معك في الدار عصابة مستنصرة ينصر الله بأقل منهم، فأذن لنا، فقال: أذكر الله رجلا إهراق في دمه أو قال دما وقال سليط بن أبي سليط: نهانا عثمان عن قتالهم، ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارنا، وروي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه قال: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي غناء، من كف يده وسلاحه، ثم قال: قم يا ابن عمر فاجر بين الناس، فقام ابن عمر وقام معه رجال من بني عدي ابن سراقة وابن مطيع، ففتحوا الباب وخرج، ودخلوا الدار فقتلوا عثمان رحمة الله عليه ورضوانه.

.مسألة ما ترك عثمان عليه من الدين رضي الله عنه:

في ما ترك عثمان عليه من الدين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال ابن القاسم: قال مالك: وبلغني أن عثمان بن عفان قضي عنه ثلاثون ألف درهم.
قال محمد بن رشد: ما ترك عثمان على نفسه من الدين معدود من فضائله؛ لأنه إنما احتاج إلى التداين مع سعة ماله لبذله إياه في طاعة ربه من صلة الرحم وفعل المعروف على المعهود منه في حياة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فقد جهز جيش العسرة في غزوة تبوك بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا واشترى بئر رومة، وكانت ركية ليهودي يبيع للمسلمين ماءها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم وله بها مشرب في الجنة، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها فأبى أن يبيعه كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم فجعله للمسلمين فقال له عثمان: إن شئت جعلت على نصيبي قرشيا، وإن شئت فلي يوم ولك يوم، قال: بلى لك يوم ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم ليومين، فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدت علي ركيتي فاشتر النصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم».
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يزيد في مسجدنا؟ فاشترى عثمان موضع خمس سوار فزاده في المسجد» وفضائله أكثر من أن تحصى وهو من أصحاب حراء، وبالله التوفيق.

.مسألة ما أوصى به معاوية في ماله:

فيما أوصى به معاوية في ماله قال مالك: بلغني أن معاوية لما حضرته الوفاة أمر بماله أن يقسم بشطرين.
قال محمد بن رشد: إنما فعل ذلك تأسيا بعمر بن الخطاب في مشاطرته لعماله فذلك معدود في فضائله.

.مسألة ما ذكر عن أبي الدرداء:

فيما ذكر عن أبي الدرداء قال مالك: وبلغني أن أبا الدرداء قال: وراءنا عقبة كؤود أنجى الناس فيها أخفهم حملا.
قال محمد بن رشد: عنى أبو الدرداء بالعقبة الكؤود الصراط الذي على شفير جهنم يجوزه الناس بقدر أعمالهم، فيتفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم على قدر خفة ظهورهم من الذنوب، ومنهم من يوبقه عمله.
في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة «أن الناس قالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تمارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم أحد قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله عز وجل الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء» الحديث بطوله.
وهذا الحديث من مشكل الحديث، فقوله أولا فيه يأتيهم الله فيقول أنا ربكم معناه فيأتيهم خلق من خلق الله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، خرج مخرج واسأل القرية أي أهلها، ويحتمل أن يكون معناه فيأتيهم الله بخلق من خلقه فيقول، ومعلوم أيضا أنه جائز في اللسان العربي أن تقول ضرب السلطان وكتب ونادى في الناس وإن لم يفعل هو بنفسه شيئا من ذلك، وقد قال بعض العلماء: إن هذه آخر محنة الله يمتحن بها عباده، فيثبت المؤمنين منهم بالقول الثابت.
ومعنى قوله إنهم يقولون إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا تجلى لنا ربنا بإنعامه علينا بخلقه فينا إدراك رؤيته عرفناه، وهذا معنى قوله: فيأتيهم الله لأن الإتيان الذي هو الانتقال من موضع إلى موضع مستحيل في صفة الله تعالى، وقد رأيت لبعض من تكلم على معنى هذا الحديث أن قوله فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا عائد على المنافقين دون المؤمنين وأن قوله: فيقولون وأنت ربنا عائد على المؤمنين دون المنافقين وهو تأويل خطأ فاسد بين الفساد، لا يصح بوجه مع بعده على لفظ الحديث. والله أعلم فهذا مثل صحيح ضربه الله عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة ما كتب به عمر بن الخطاب إلى الأجناد في أمر الأسواق:

فيما كتب به عمر بن الخطاب إلى الأجناد في أمر الأسواق قال مالك: كتب عمر بن الخطاب إلى الأجناد: إن الله قد أغنى بالمسلمين فلا تجعلوا النصارى في أعمالكم، يريد بذلك ألا يكونوا جزارين ولا صرافين ويبيع المسلمون لأن الله أغنى بالمسلمين وكثروا في أهل الإسلام ما أجزأ من بياعاتهم.
قال محمد بن رشد: إنما كتب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بما كتب به من هذا لعلمه أنه مسئول عن رعيته، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته» الحديث، وإذا وجب على الإمام النظر لرعيته فيما يدخل عليهم به الضرر في دنياهم كان النظر فيما به عليهم الضرر في أديانهم أوجب، فمنع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن يكون النصارى في أسواق المسلمين جزارين أو صرافين؛ لأن الجزارين من النصارى وإن كانت تحل ذبائحهم لقول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، فلا ينبغي للمسلم أن يأتمنه على تذكية ما غاب عليه ويتخذه في ذلك إماما، والصرافين يستبيحون الربا ويستحلونه، فإذا كانوا في أسواق المسلمين وقع الجهال منهم معهم فيه، إذ لا يمكنهم التوقي منهم لجهلهم، وذلك ضرر بعامة الناس، فوجب النظر في ذلك لهم بما يقطعه عنهم من منعهم من الأسواق، فقد قال سحنون لهذه العلة: يمنع من السوق كل من لا يبصر البيع من المسلمين، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة وصية لقمان لابنه:

في وصية لقمان لابنه قال مالك: بلغني أن لقمان قال لابنه: يا بني ليكون أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة.
قال محمد بن رشد: هذه وصية جيدة مفيدة وحكمة حسنة بليغة لأن النساء مما زين للناس من شهوات الدنيا قال الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: 14] الآية، فالمرأة الصالحة هي للرجل دنيا وآخرة لأنه يستعف بها ويستمتع منها ويؤجر على القيام عليها، والخليل الصالح يحمل خليله على الخير ويعينه على الطاعة ويريه مراشدة في أموره فمنفعته أعم من منفعة المرأة إذ من الناس من يستغني عن المرأة ولا يحتاج إليها، ولذلك قدمه عليها والله أعلم.

.مسألة النذر قبل الاحتلام:

في أن النذر قبل الاحتلام لا يلزم قال مالك: كان حلف عبد الله بن أبي حبيبة في الجرو القثاء بعد أن احتلم.
قال محمد بن رشد: قوله كان حلف عبد الله بن أبي حبيبة تجاوز في اللفظ؛ لأنه لم يكن حلف وإنما كان نذر على ما ذكر عنه في موطئه من أنه قال: قلت لرجل وأنا حديث السن: ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي، فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده، وتقول علي مشي إلى بيت الله، قال: فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن، ثم مكثت حتى عقلت، فقيل لي: إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال: عليك مشي، فمشيت، فعبر مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه الحكاية عن النذر بالحلف لاستوائهما عنده في الوجوب؛ لأنه إنما قصد إلى الإعلام بأن من لم يحتلم فلا يلزمه النذر ولا اليمين، وقوله صحيح لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، فلا اختلاف أعلمه في أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه إلا أنه يستحب له الوفاء به.
وأما اليمين فقد قال ابن كنانة إنها تلزمه قبل البلوغ إذا حنث فيها بعد البلوغ وهو شذوذ، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المشرك إذا نذر نذرا في حال الكفر يلزمه الوفاء به بعد الإسلام لما روي من أن «عمر بن الخطاب قال للنبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام، فقال له النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِ بنذرك»، وهو عندنا وعند أكثر أهل العلم على أن ذلك على الندب لا على الوجوب، ومما يدل على ذلك أيضا أن فِ لا يستعمل إلا فيما ليس بواجب، يقال وفي بالوعد وأوفى بالحق والنذر، فيلزم من أوجب على الكافر الوفاء بالنذر بعد الإسلام أن يوجب على الصغير الوفاء به بعد البلوغ، بل هو أحق أو يجب عليه على مذهبه؛ لأن الصغير وإن كان لا تكتب عليه السيئات فتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال، والكافر لا تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات، وبالله التوفيق.

.مسألة صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه:

في أن صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه قال مالك: لم أزل أسمع أن صاحب المنزل أولى بالتقدم في الصلاة في منزله، ولقد بلغني أن رجلا من أهل الفضل والفقه إن كانوا لينزلون بالرجل في منزله فيقدمونه لأنه منزله، ولم أزل أسمع أن صاحب الدابة أولى بصدرها من الذي يردفه، قال: ورأيته يستحسنه.
قال محمد بن رشد: المعنى في كون صاحب المنزل أحق بالإمامة فيه من غيره هو أنه ليس لأحد أن يصلي في منزل غيره حتى يأذن له في الموضع الذي يصلي فيه منه، «لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لعثمان بن مالك: أين تحب أن أصلي؟ فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه» فإذا لم يكن لأحد أن يتقدم في منزل رجل إلى موضع الإمام منه إلا بإذنه، وكان هو أحق بالصلاة في ذلك الموضع من غيره ثبت أنه أحق بالإمامة فيه.
غير أنه يستحب له إذا كان في القوم أحق بالإمامة منه أن يقدمه، وكذلك صاحب الدابة هو أولى بصدر دابته إذا احتاج الرجل أن يركب معه عليها إلا أن يأذن له في ركوب مقدمها؛ لأن الذي يركب مقدمها هو الذي يملكها، وهو الذي يحكم له بها لو تداعى فيها مع الذي يركب مؤخرها، فليس لأحد أن يزيله عن هذه المرتبة إلا باختياره، وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الصلاة وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة صفة النحر والذبح:

في صفة النحر والذبح قال مالك: تنحر البدن قياما أحب إلي، وكأني رأيته وجه الأمر فيها، قال: والغنم والبقر تضجع وتذبح، قال: ويلي الرجل نحر بدنته وذبح ضحيته أحب لي، ويقول بسم الله والله أكبر، وإن أحب قال: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وكره أن يقول اللهم منك وإليك وعابه وشدد الكراهية فيه، وقال: إذا أعتق قال اللهم منك وإليك، وإذا تصدق قال اللهم منك وإليك، فكره ذلك ولم يره من العمل ولم يستحسنه.
قال محمد بن رشد هذا كله مثل ما في المدونة.
وإنما استحب أن ينحر البدن قياما وقال: إنه وجه الأمر فيها كما قال في الحج الثالث من المدونة إنه الشأن اتباعا لظاهر قول الله عز وجل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] أي سقطت إلى الأرض، ولم ير ابن القاسم في المدونة بأسا أن تنحر معقولة إن امتنعت، ولم يحفظ عن مالك هل تنحر معقولة أو تكون أيديها مصفونة، وقول الله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أي مصطفة لا يدل على كونها معقولة، فلذلك لم يستحب ابن القاسم أن تعقل إذا لم تمتنع، وقد قرئ فاذكروا اسم الله عليها صوافن أي على ثلاثة قوائم معقولة إحدى يديها، واستحب ذلك بعض العلماء، وقد قرئ صوافي أي صافية خالصة لله.
واستحب أن يلي الرجل نحر هديه وذبح ضحيته تواضعا لله وتأسيا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فإن ذبح له غيره بأمره أجزأه عند مالك، قال ابن عبد الحكم في مختصره: وقد قيل لا يجزيه، والأول أحب إلينا، وإن ذبحها له نصراني أو يهودي فلا تجزيه إلا عند أشهب، وقد مضى دليل قوله في سماع أشهب من كتاب الضحايا.
واستحب في صفة التسمية على الذبيحة أن يقول باسم الله والله أكبر لأنه الذي مضى عليه عمل الناس، قال ابن حبيب في الواضحة: فإن قال باسم الله والله أكبر وحده اكتفي بذلك، وكذلك لو قال لا إله إلا الله، أو سبحان الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله لاكتفي بذلك؛ لأنه إنما أمر أن يسمي الله فكيف ذكر له فقد سماه.
وأجاز أن يقول مع التسمية صلى الله على رسول الله وكره أن يقول معهما محمد رسول الله وظاهر المدونة أنه كره الأمرين جميعا وما في الواضحة أبين؛ لأن الصلاة على النبي دعاء له فلا وجه لكراهيته بخلاف إذا ذكر اسمه بغير دعاء ذلك مكروه؛ لأن الذبح إنما هو لله تعالى وحده، فلا يذكر هناك إلا اسم الله وحده كما أمر حيث يقول: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34].
وتسمية الله سنة في الذكاة وليس بشرط في صحتها؛ لأن معنى قول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] أي لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها لأنها فسق.
ومعنى قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118] أي كلوا مما قصد إلى ذكاته، فكنى عز وجل عن التذكية بذكر اسمه كما كنى عن رمي الجمار بذكره حيث يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ومن الدليل على أن مراد الله عز وجل بما لم يذكر اسمه عليه ما لم يقصد إلى ذكاته قوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] يريد ما فصل وبين بقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلى قوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] فبين بتسميته لهذه الأشياء التي حرمها في هذه الآية جميعا أنها هي التي نهي عن أكلها؛ لأنها فسق بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فمن ترك التسمية ناسيا أكلت ذبيحته.
وأجاز ابن حبيب أن يقول مع التسمية اللهم منك وبك ولك، أي منك الرزق وبك الهدي ولك النسك، وحكاه عن علي بن أبي طالب، وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، وهو قول حسن، وكره ذلك مالك في هذه الرواية وشدد الكراهية في ذلك وقال في المدونة: إن ذلك بدعة، فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه إنما كره التزام ذلك على وجه كونه مشروعا في ذبح النسك كالتسمية، فمن قاله على غير هذا الوجه في الفرط لم يكن عليه إثم ولا حرج وأجر في ذلك إن شاء الله.

.مسألة وصية لقمان لابنه:

في وصية لقمان لابنه قال مالك: بلغني أن لقمان الحكيم قال لابنه: اجعل خطيئتك بين عينيك فأما حسناتك فَالْهَ عنها فقد أحصاها من لا ينساها.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه الوصية بين لأن الخطيئة قد استوجب عليها عقاب الله إلا أن يغفرها له، فواجب عليه أن يجعلها نصب عينيه فيستغفر الله منها ولا يلهى عنها.

.مسألة قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس:

في قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس قال مالك: بلغني أن القاسم بن محمد قضى ركعتي الفجر بعد أن حلت السبحة.
قال محمد بن رشد: هكذا يستحب لمن نسي ركعتي الفجر رجاء أن يدرك بقضائهما ما جاء فيهما من الفضل، فقد جاء فيهما أنهما خير من الدنيا وما فيها.
وقد اختلف فيهما، فقيل: إنهما من السنن لمداومة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عليهما، وقيل: إنهما من الرغائب، واختلف في ذلك قول مالك، فعلى القول بأنهما سنة لا يجزيان بغير نية، وبالله التوفيق.

.مسألة الموضع الذي يجوز للرجل فيه قبول الفدية من امرأته:

في بيان الموضع الذي يجوز للرجل فيه قبول الفدية من امرأته قال ابن القاسم: قال مالك: حدثني هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة أنه كان يقول: إذا لم تؤت المرأة من قبل زوجها حل له أن يقبل منها الفداء.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مذهب مالك وجميع أصحابه، لا اختلاف بينهم في أن الزوج لا يجوز له أن يأخذ من زوجته شيئا على طلاقها إلا إذا كان النشوز من قبلها ولم يكن منه في ذلك ضرر إليها، إذ ليس له أن يقارضها على نشوزها عليه بالإضرار لها والتضييق عليها حتى تفتدي منه، لقول الله عز وجل: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] وإنما له أن يعظها، فإن اتعظت وإلا هجرها في المضجع، فإن اتعظت وإلا ضربها ضربا غير مبرح، فإن طاعت فلا يبغي عليها سبيلا لقول الله عز وجل: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] الآية فإن هي بذلت له على الفراق شيئا حل له أن يقبله إذا لم يتعد أمر الله تعالى فيها، ومن أهل العلم من أباح للرجل إذا زنت زوجته أو نشزت عليه أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وذهب إلى أن الفاحشة المبينة هي الزنا خاصة، فلم يبح له ذلك إلا إذا زنت.
ومنهم من ذهب إلى أن الفاحشة المبينة هي النشوز والبذاء باللسان، فلم يبح له ذلك إلا إذا نشزت عنه وبذت عليه بلسانها.
ولم يبح ذلك له مالك ولا أحد من أصحابه بحال لأن الاستثناء عندهم في قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] استثناء منفصل غير متصل بمعنى لكن، فتقدير الكلام لكن إن أتين بفاحشة مبينة من نشوز وبذاء أحل لكم ما ذهبتم به من أموالهن إذا كان عن طيب أنفسهن لأن الله تعالى لم يبح للزوج شيئا من مال زوجته إلا عن طيب نفس منها، فقال عز وجل: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21] الآية وقال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ولا يكون ذلك عن طيب أنفسهن إلا إذا لم يكن منه إليهن ضرر ولا تضييق، وبالله تعالى التوفيق.